على أرفف الصيدليات توجد أربعة أنواع رئيسية للحبوب المستخدمة في جلب النوم. النوع الأول، مجموعة «بينزودايازيبين» benzodiazepine. والنوع الثاني، مجموعة «زدْ» Z drugs. والنوع الثالث، مجموعة «مُضادات الهيستامين» anti-histamines. والنوع الرابع، هرمون «ميلاتونين» Melatonin.
«بينزودايازيبين»
وهي مجموعة تضم العديد من الأدوية ذات التأثير المنوم hypnotic والمُنعّسsedative والمُزيل للقلقanxiolytic. وتختلف التأثيرات تلك باختلاف النوع واختلاف كمية الجرعة من أحدها.
وتعمل هذه الأدوية على مستقبلات receptors معينة في الخلايا العصبية، تُدعى مُستقبلات «بينزودايازيبين». وهي نوعية من المُستقبلات المرتبطة بنوعية مُستقبلات «غابا» GABA receptors. وأهمية ذكر طريقة عملها على المُستقبلات في الخلايا العصبية، الإشارة بوضوح إلى أنها تلتصق بالخلايا العصبية وتعمل من خلال ذلك في إحداث النُعاس أو النوم أو إزالة القلق.
ولذا فإن زوال تأثيرها المنوم عن الجسم، يبقي شيئاً من الاضطرابات في الجهاز العصبي، وهو ما يظهر على هيئة النعاس drowsiness و«الدوخة» light-headedness خلال ما بعد الاستيقاظ من النوم. وقد تتشعب مشكلة ما بعد تناولها، حال استمرار استخدامها يومياً لفترة تتجاوز 3 أسابيع. لتصل الأمور إلى حد «الاعتماد» dependence البدني والنفسي على ضرورة وجودها في الجسم، وبالتالي حصول أعراض سيئة نتيجة التوقف المفاجئ عن تناولها، أو ما يُسمى بـ«أعراض الانسحاب» withdrawal، مثل الأرق وتدني شهية الأكل والرعشة وطنين الأذن والتشويش الذهني ونوبات التشنج وغيرها من الاضطرابات النفسية. ولذا فإن استخدام وصف «الاعتماد» هو طريقة ألطف من قول «الإدمان».
وإلا فإن الأمرين سواء من ناحية الضرر النفسي والبدني لما نتحدث عنه. وحال تناولها لفترة تتجاوز 3 أسابيع، فإن التوقف عن تناولها لا يكون فجأة، بل يتطلب الأمر التدرج في ذلك، وفق الإشراف الطبي.
وثمة جانب مهم، يحتاج إلى توضيح بسيط، وهو تأثير تناول أحد أدوية هذه المجموعة في قيادة السيارة. وهذه الأدوية تُصيب بالاضطراب قدرات الذهن في الحكم على الأشياء، كما تزيد من سرعة التفاعل مع عنصر «الوقت». وهما ما يجعل من الصعب على المرء قيادة السيارة أو استخدام أي أجهزة تتطلب حضوراً ذهنياً. ولهذه النوعية من الأدوية «تأثير متخلف» hangover ومتبق في الصباح، أي للجرعة التي تم تناولها بالليل.
وهو ما يترك استمرار شعور المرء بالنعاس وتدني الحدة والقوة والذكاء في القدرات الذهنية. وفي كل دول العالم، لا يتوفر الحصول على أي من أنواعها إلا بوصفة طبية. ومن أنواعها السريعة المفعول في جلب النوم، أي خلال نصف ساعة، ويستمر مفعولها لحوالي 8 ساعات، نوع «تيمازيبام» temazepam و«لورميتازيبام» lor****zepam و«لوبرازولام» loprazolam. وثمة أنواع أطول من ناحية مدة المفعول، مثل «نيترازيبام» nitrazepam و«فليرازيبام» flurazepam. ويُعتبر الفاليوم، «ديازيبام» diazepam، من الأنواع ذات المفعول البطيء من ناحية سرعة بدء العمل، وذات المفعول الطويل الأمد.
وعموم أدوية هذه المجموعة، يجب الحذر من تناولها حال وجود اضطرابات في عمل الجهاز التنفسي وضعف العضلات والضعف في عمل الكلى وعمل الكبد، إضافة إلى الحمل والرضاعة.
أدوية «زد»
وسميت «أدوية زدْ» لأنها مجموعة من الأدوية التي تبدأ بحرف «Z» باللغة الانجليزية. وهي «زاليبلون» ZALEPLON و«زولبيديم» ZOLPIDEM و«زوبيكلون» ZOPICLONE. وهي مجموعة من الأدوية المختلفة التركيب عن أدوية مجموعة «بينزودايازيبين». إلا أنها تعمل على نفس تلك المُستقبلات في الخلايا العصبية. وكل الادوية الثلاثة لا يُنصح مطلقاً بتناولها لفترات طويلة، بل لأقل من أسبوع في حال تناولها بشكل متواصل يومياً. وثمة مؤشرات علمية على حصول حالة «الاعتماد» لدى البعض، حال طول فترة تناولها. ودواعي الحذر من تناولها شبيهة بتلك في مجموعة «بينزودايازيبين». وبالرغم من أن أدوية نوع «زولبيديم» و«زوبيكلون» لها مفعول زمني قصير.
ومن أمثلة «زولبيديم» دواء «ستيلنوكس» STILNOX ودواء «أمبين» Ambien. ومن أمثلة «زوبيكلون» دواء «زيموفان» ZIMOVANE . ومقدار «نصف العمر» لكمية هذين العقارين في الدم تصل إلى 150 دقيقة، أي أنهما ذا مفعول متوسط. ويتركان أثراً من النعاس في صبيحة اليوم التالي. إلا أن المهم هو مفعول نوع «زاليبلون»، لأنه الأشد قصراً من بين أدوية مجموعة «زد» أو أدوية مجموعة «بينزودايازيبين». ولذا فإن بالإمكان تناول حبة منه حتى في الساعات الأولى للصباح دون أن تترك أثراً واضحاً على درجة وعي الشخص في الصباح. والسبب أن مقدار «نصف العمر» لكمية عقار «زاليبلون» في الدم لا تتجاوز 60 دقيقة. ومن أمثلة نوع «زاليبلون» دواء «سيستا» SIESTA، و«سوناتا» SONATA.
«مضادات الهيستامين»
وهي أدوية تستخدم في معالجة حالات الحساسية، إلا أن لها تأثيرات جانبية تتمثل في النعاس والنوم. وهذه التأثيرات الجانبية تُغري البعض لاستخدام «مُضادات الهيستامين» كحبوب منومة. وكثيرة هي أنواع الأدوية المنومة التي تحتوي على تلك المواد المُعالجة بالأصل للحساسية. وتتوفر في الصيدليات وغيرها، ويتم الحصول عليها دونما الحاجة إلى وصفة طبية.
وإشكاليات استخدامها لجلب النوم كثيرة، أهمها أنها تفقد مفعولها على النوم بعد تناولها باستمرار لبضعة أيام. وأنها تتسبب في أعراض الآثار المتخلفة، أو «هانغ أوفر»، في صباح اليوم التالي، كالنعاس. كما أنها قد تتسبب في تأثيرات ارتدادية، مثل حصول حالة الأرق الارتدادي rebound insomnia!.
ولهذه الأسباب وغيرها، لا ترى الهيئات الصحية العالمية في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما، المعنية بالنوم ومعالجة اضطراباته، صحة النصيحة باللجوء إلى «مضادات الهيستامين» لعلاج الأرق. وصرحت الأكاديمية الأميركية لطب النوم، عام 2006 خلال مراجعتها لتأثيرات استخدام هذه النوعية من الأدوية لعلاج الأرق، بالقول إن الأدلة العلمية لا تتوفر لدعم استخدامها كوسيلة لعلاج الأرق.
وأمثلتها كثيرة، مثل «باندول نايت» و«تايلينول بي أم» وغيرهما.
«ميلاتونين»
وينتج الجسم هرمون ميلاتونين لبناء تكرار يومي circadian rhythms في عمل الساعة البيولوجية للجسم في الدماغ. ولأن البدء في الشعور بالنعاس، من بعد مغيب الشمس وزوال ضوء النهار، يعتمد في الحالات الطبيعية على انتاج هذا الهرمون، فإن مما هو مُقترح طبياً أن يتم استخدام حبوب تحتوي على هذا الهرمون في معالجة حالات الأرق. ولكن، وباختصار شديد، لا تُوجد نتائج مُشجعة على جدوى استخدام حبوب ميلاتونين لعلاج الأرق. بل ثمة مؤشرات جادة على تأثيرات عكسية وسلبية على نوم الإنسان بتناول الحبوب تلك. ومؤشرات أخرى على آثار سلبية لدى النساء، وبعض الرجال، في الوظائف الجنسية والخصوبة.
وثمة أحد الأدوية المنومة، ويُدعى «روزيريم» Rozerem، الذي تم تصميمه للعمل على المناطق الدماغية التي يعمل هرمون ميلاتونين عليها بالأصل، وخاصة مراكز النوم في الدماغ. والميزة الأهم في هذا العلاج هو ندرة حصول آثار جانبية لاستخدامه، ولا يُسبب التوقف عن تناوله بتلك التأثيرات المتخلفة للـ«هانغ أوفر».
وبالرغم من مدح بعض المصادر الطبية له، إلا أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لا تزال تضعه ضمن قائمة الأدوية المنومة ذات التأثيرات غير المعتادة على سلوكيات متناوليه.
أسباب تردد الأطباء في وصف الحبوب المنومة
الحبوب المنومة «المثالية»، والتي يطمح الأطباء إلى توفيرها للمعانين من الأرق، هي ما يُمكنها أن تعطي مُتناولها نوماً مريحاً وطبيعياً، ولا تتسبب بأي مشاكل أو تداعيات صحية. ولكن للأسف لا توجد هذه الأدوية، وبهذه الصفات، حتى اليوم.
ونسيان طعم النوم الطبيعي هو السبب الذي لا يراه الكثيرون وراء لجوئهم إلى تناول الحبوب المنومة واعتمادهم عليها كحل وحيد لمشكلة الأرق. ونتيجة لذلك النسيان والحرمان، استبدلوا نوماً جديداً ومُصطنعاً بالنوم الطبيعي الفطري. وما يجعل من الصعب على الأطباء وصف الحبوب المنومة بسهولة لأي إنسان، أمور عدة، أهمها أن نوعية النوم الذي ينتج عن تناول ما هو متوفر من حبوب منومة، تختلف عن تلك النوعية الطبيعية من النوم.
والنوم ليس غيبوبة عن الوعي، بل هو مرحلة حياتية يومية ينشط الجسم فيها. وبكلام أكثر وضوحاً، تتم في النوم عمليات كيميائية حيوية وأنشطة في أعضاء شتى من الجسم. وليس المقصود فقط نشاط الجهاز العصبي وعمل أجزاء الدماغ على ترتيب البيت الداخلي فيه، بل هي الغدد الصماء والكبد وغيرهما. وإلا لماذا يُفرز هرمون النمو كدفقات خلال النوم، ولماذا ترتفع الإصابات بالسكري والسمنة لدى منْ ينامون ساعات قليلة وفي خارج وقت الليل، وغير هذا من الأسئلة.
والنوم كما هو معلوم ذو مراحل خمسة، تتكرر عدة مرات خلال الليلة الواحدة. منها ما هو سطحي ومنها ما هو عميق،ومنها ما له علاقة بالأحلام، ومنها ما لا علاقة له بها. والحبوب المنومة، كما يقول الدكتور دونا أراند، المدير الإكلينيكي لمركز كيترنغ لاضطرابات النوم في أوهايو، تُغير في «أسلوب بناء النوم» «sleep architecture». وتحديداً يُشير إلى تأثير الحبوب المنومة على تقصير مراحل معينة من النوم، وخاصة المرحلة الثالثة والرابعة، وهما الأهم في مراحل النوم من ناحية العمق والراحة.
هذا من جانب، ومن جانب اخر هناك تلك «التأثيرات الجانبية» side effects و «التأثيرات المتخلفة» hangover effects عن استعمالها، والتي تظهر في مرحلة ما بعد استخدامها للنوم، مثل النعاس، الذي يُعيق عن مهارة ودقة القيام بالمهام، كقيادة السيارة أو تشغيل الآلات أو الاستيعاب في التعليم أو غيرها من الأنشطة الوظيفية أو العملية. ولكن قبل الصباح، هناك في الليل ذاك التشويش الذهني والارتباك وثقل الحركة الذي يغلب على متناول الحبوب المنومة. وهو ما قد يتسبب بحالات السقوط أو التعثر أو اختلال التوازن، وخاصة لدى كبار السن. وثمة دراسات طبية أكدت ارتفاع معدل الإصابات بكسور الورك لدى متناولي تلك الحبوب المنومة.
وحينما يتم تناول الحبوب المنومة بشكل يومي، فإن الجسم سيتعود عليها، وبالتالي تفقد فاعليتها وتأثيرها في جلب النوم. ولذا يُلاحظ الأطباء لجوء هؤلاء الأشخاص إلى زيادة كمية الجرعة، أو إلى تغيير نوعية الدواء المنوم.
والأمر ليس خفياً، بل تشير المصادر الطبية إلى أن الاستخدام المتواصل بشكل يومي لفترة تتراوح ما بين 3 إلى 14 يوما، يؤدي بالجسم إلى حالة التعود على تلك النوعية والكمية من العقار المنوم. وإذا ما أضفنا إلى ما تقدم أن حالة من الاعتماد، الإدمان dependent) (addicted، النفسي والبدني، تنشأ جراء تناول أنواع «بينزودايازيبين» وأنواع «أدوية زدْ». وهو ما يتبعه ارتفاع احتمالات المعاناة من حالات تأثيرات الانسحاب على الجسم نتيجة للتوقف المفاجئ عن الاستمرار في تناولها.
هذه بعض من الأسباب التي تجعل من الصعب على الأطباء تسهيل وتوفير تلك الحبوب «كيفما اتفق» و«متى شاء» و«متى ما اشتهى».