فتى لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره وهو من الموهوبين في مدرسته ، كان يشكو من انخفاض في كمية السكر - حسب التقارير الطبية - تؤدي إلى دخوله في حالة غيبوبــة، وكان ينتابه الإغماء في مدرسته ويدخل في غيبوبة لأكثر من مرّة . وعند نقلـه إلى المستشفى يتم فحص السكر له فيكون منخفضاً جداً لدرجة لا تصدق ، مع العلم أن والده أخبرني أنه يتضايق من سماعه القرآن ، أو الذكر أو العبادة ، وينتابه القلق ، وأصبح لا يحب مدرسته ، ويصاحبه الصداع المستمر ، وله ملف صحي في مستشفى من مستشفيات القطاع . وكان يتابع العلاج في المستشفى مع أهله ، وعندما قرأت رقية القرآن ( ) وبعضاً من الأدعية المأثـورة عن رسول الله نطق جني عليه ودار الحوار الآتي :
قلت : أقسم عليك بالله العظيم وبرب العرش العظيم أن تنطق على لسان هذا الفتى ولا تؤذيه ، بسم الله من معنا ؟
قال : أنا جاليلو .
قلت : ما ديانتك ؟
قال : نصراني .
قلت : ما لونك ؟
قال :أحمر .
قلت : كيف دخلت في بدن هذا الإنسي ؟ مذكراً إياه أن لا ينطق بأسمـاء أشخاص ( ) .
قال : عن طريق السحر .
قلت : ماذا تسبب أنت لهذا الفتى ؟
قال : أنا أقوم بمص وسحب السكر حتى ينخفض السكر في جسم هذا الفتى .
قلت : أنت تعلم أنك معتد أثيم وقد قال الله في ذلك : " ... إن الله لا يحب المعتدين " ( ) وقال أيضاً : " ... إنه لا يحب المعتدين " ( ) ، أليس هذا ظلماً وقد حرّم الله الظلم على نفسه وجعله بين الخلق محرماً فقال جل شأنه في الحديث القدسي : " فلا تظالموا " ، ماذا تقول لخالقك يوم القيامة وأنت في هذا الحال ؟ هل آذاك هذا الفتى الذي يقول : ربي الله ، يا مغيث أغثني يا الله ….؟ وبعد أن بينت له حرمة الاعتداء في الشرائع السماوية جميعها وبيّنت له حرمة الظلم ، وبيّنت له أنه يعمل مع الساحر اللعين وهو الآن ضحيّة ، والساحر لا يهمه أي شئ ....
قال : أنا لا أعلم أن عليّ إثماً ....
قلت : مكرراً ما قاله ، مبيّناً عدم صحة ما يردّده .ثم عرضت عليه الإسلام ، وأوضحت له طريق الخير من طريق الشر ، وأن الاعتداء محرم من الخالق الذي خلقنا ، ثـم ذكّرته بقول الله تبارك وتعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " ( ) .
قال : موافق .
قلت : قل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله " وكررتها له " ، الحمد لله رب العالمين ، تبت إلى الله ، ورجعت إلى الله ، وندمت عمّا فعلت ، وعزمت عزماً أكيداً على أنني لن أعود إلى أي شئ يغضب الله ، أو الاعتداء على الآخرين من المسلمين أو المسلمات . " ردّد ذلك من بعدي " .
قلت : ما لونك الآن ، وكم من القرون لك ؟
قال : لوني أبيض ، ولا يوجد أي قرن لي .
قلت : قل : الحمد لله رب العالمين ، يارب لك الحمد ، كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ...... ( ) .
قلت : الآن من بعد خروجك سيذهب الفتى إلى مدرسته ، وسيزول منه السكر وانخفاضه ؟
قال : نعم .
* كان ضمن الحضور أحد الأطباء ( ) فسأل سؤالاً : هل أنت المسبب في انخفاض السكر لهذا الفتى ؟
قال : نعم .
قال الطبيب : هل باستطاعتك أن تثبت لنا ذلك ؟
قال : ماذا تريد مني ؟
قال الطبيب : على سبيل المثال أن أقيس ضغط الفتى بدون تدخلك ثم أقيسه ثانية بتدخلك ، يعني أن تعطيني قراءتين للضغط .
قال : هذا أمر سهل بالنسبة لي ، إذا كنت أنا أسبب انخفاضاً للسكر في الجسم فأنت تطلب مني أمراً سهلاً ، ولا مانع لدىّ من هذا الأمر .
فقلت له : مذكراً إياه والجالسين بالحديث الشريف عــن صفيــة بنــت حييــي أم المؤمنيـــن رضــي اللــه عنهــا أن النبــي قال : إن الشيطــان يجــري مــن ابــن آدم مجـــرى الــدم " ( ) .
سأله الطبيب : لكن أخبرني ماذا ستفعل أنت ؟
فقال : أنت سمعت الآن ما قال الشيخ ، ألم نجر من ابن آدم مجرى الدم ؟! " قالهـا ووجهه احمرّ وغضب " .
فقلت : يا أخي أنت الآن مسلم ، وبالتالي لا يجوز لك الغضب ، الطبيب متخصص في القلب ، وبالتالي يريد أن يسألك ، فلماذا أنت تغضب ؟ ثمّ ذكّرته بقصة النبي إبراهيم عليه السلام وهو من أولي العزم عندما قال رب العالمين في شأنه : " وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعةًً من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم " ( ) .
قال : أنا أعتذر ، ولكني فكرت أن الطبيب لم يصدقني ...
* وهنا طلبت منه بداية قياس ضغط الفتى بدون تدخله .
فقال : بإمكانكم قياس ضغط الإنسي دون تدخل مني .
* وعلى الفور قام الطبيب بقياس الضغط للفتى وأعلن نتيجة القياس وكانت ( 110 / 70 )، وبعدها طلبت من الجني التدخل وما هى إلاّ برهة من الزمن حتى تدخل الجني وطلب من الطبيب قياس الضغط بتدخله فكانت النتيجة (145/ 110 ) ، فتدخلت على الفور مقسماً على الجني " أقسم عليك بالله العظيم وبرب العرش العظيم ، وبالعهد الذي أخذه عليكم سليمان عليه السلام أن تترك القلب وشرايينه لهذا الفتى " ففعل .
الطبيب : قام الطبيب وقاس الضغط بعدها وإذ به كما كان آنفاً (110 / 70 ).
* ثم أخذت العهد عليه وأن يجمع رياحه وآثاره ، ثم الخروج ( )
من خلال هذه القصة أضع بين يدي القارئ الحقائق الآتية :
1- الجني الموجود على الفتى كان يتكلم باللهجة السودانية ، مع العلم أن الفتى لم يخرج من قطاع غزة مطلقاً .
2- الفتى من الأوائل في تحصيل دروسه وأخلاقه ، بل هو من الموهوبين حسب ما أخبر أهله.
3- الجني يسبب مرضاً عضوياً للإنسي ، ولكن يجب أن يعلم الجميع أنه ليس كل مرض عضوي سببه الجن .
*** روى الإمام أحمد في مسنده قال : عن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَن أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ذَكَرَ الطَّاعُونَ فَقَالَ: وَخْزٌ مِنْ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَهِيَ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ *( ).
*** روى الإمام أحمد في مسنده قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بـنِ عِلاقَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :" فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَفِي كُلٍّ شُهَدَاءُ*( ).
4- بعد خروج الجني والفضل لله وحده سألنا عن الفتى ، وأخبرنا أهله بأنه عاد إلى مدرسته ، ولم يحدث له إغماءً قط والفضل لله .
5- ضغط الفتى الطبيعي كان ( 110 / 70 ) وبعد التدخل من الجني أصبح ( 145 / 110 ) ، ثم يرجع إلى ما كان عليه في السابق ( 110 / 70 ) ، أي أن الجن لها القدرة على التشكل والتدخل ولكن أذكر هنا - حتى يتضح الأمر- قول الله جل في علاه : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " ( ) .
6- الشهود على هذا الحدث : " كان الشهود يتجاوزون الخمسة والعشرين ولكن أذكر منهم":