أسباب وموانع خروج الجني من جسد المريض
تلبس الجني بجسد الإنسي المريض به أسبابه كثيرة لا تخفى ولا تحصى ، وذكرها ههنا فيما يبدو لي أنه تحصيل حاصل ، إذ أن الجني قد دخل فماذا تريد بعد(؟!) ، معرفة السبب(؟!) ، وهل تفيد معرفة الأسباب في العلاج شيئاً(؟!) ، لا أرى هذا(!) ، إذن ما يهمنا معرفته ، ويعنينا هنا بيانه ؛ هو الأسباب والموانع التي تمنع خروج الجني من بدن المريض بعد دخوله ، فبقاء الجني بعد الرقية ، وعدم خروجه مع طول مدة وأمد العلاج أمر يستدعي النظر ، والاهتمام بلا شك ، بل هو أمر يثير الدهشة ، والعجب ، فكيف لا يخرج وقد قرىء عليه القرآن الذي لو نزل على الجبال لصدعها ، وعلى الأرض لقطعها ، ولو كُلِّم به الموتى لكان ، وهو الشفاء التام الذي لا يتأخر عن طالبه مهما كان إذا ما أحسن التداوي به.
إذن هناك أسباب ، وموانع وعوائق تمنع خروج الجني المتلبس من جسد المريض ، عند القراءة عليه وأثناء العلاج ، منها ما هو اختياري ، وآخر اضطراري لا يد للجني فيه لا بد من الوقوف عليها جميعاً لنقطف ثمرة العلاج.
المانع الأول : السحر : وذلك بأن يكون الجني مربوطاً( 1 ) بسحر يعجز معه عن الفكاك من جسد المريض فحاله في عجزه عن الخروج كحال المريض في عجزه عن دفعه ، فكما أن المريض عاجز عن إخراجه فهو كذلك عاجز عن تحرير نفسه ، وخلاصها فالحال أنهما في العجز سواء.
المانع الثاني : القِدَمُ : وذلك بأن يكون قديماً في جسد المريض ولو بغير سحر فمثله ههنا كمثل شجرة كانت صغيرة تركت فنمت حتى ضربت في الأرض ، أو كمثل الماء إذا مازج العود الأخضر فإن الجني يمتزج بالمريض ، ويخالطه في لحمه ، ودمه ، وعصبه حتى يشاركه في المشاعر والإحساس ؛ فأنى له هنا الفكاك أو الخلاص(؟!).
المانع الثالث : العِشْقُ : وذلك بأن يكون الجني المتلبس عاشقاً ، فهذا سبب قوي ، ومانع من خروج الجني طوعاً أو كَرْهاً.
المانع الرابع : ضعف حال المريض في إيمانه ، ودينه.
المانع الخامس : أن يكون الجني شيخاً عجوزاً طاعناً في السن ، يعجز لكبر سنه عن الحركة فيقعده الكبر عن الخروج.
المانع السادس : الخطأ في العلاج ، فتجد المريض يعمل على إخراج الجني ، ويبذل وسعه ليلَ نهارَ ؛ بينما يغفل أن الجني خادم سحر فكان الأولى أن يبدأ بعلاج السحر فيخرجه من جوفه قبل أن يبدأ في إخراج الجني.
المانع السابع : الخطأ في الإخراج كأن يعمل على إخراجه بمحرم فيذهب إلى ساحر ليخرجه بالسحر ، أو أن يستعين بشيطانه على إخراجه فيسلط شيطاناً على شيطان ، أو يتقرب إلى قبر فيذبح للمقبور ، أو يذهب إلى معالج حديث عهد بالعلاج لا يحسن أن يخرجه.
ذكر لي أحدهم أنه مرَّ بالطريق السريع ذات مرة على أناس يقفون على جيفة كلب ، ومعهم امرأة مريضة ، يأخذ أحدهم بيدها ويمر بها على جيفة الكلب تتخطاها(!) ، ثم يعود فيمر بها على جيفة الكلب تتخطاها(!) ، وهكذا ودواليك تمر ثم تعود ، يعالجونها مما بها بكلب نافق جيفة(!).
المانع الثامن : الذنب ، والمعصية.
المانع التاسع : مظالم الناس فتجد المريض لأحدهم عليه مظلمة لا يريد أن يتحلل منها ، وإني لأذكر في حالة وقفت عليها ، وقرأت على صاحبها ، ( الرقية ) ، و ( التشخيص )اتفقا على أن المريض ممسوس بجني لا سحر معه ، وأنه لا سبب ظاهر يمنع من خروجه ، وقد باءت جميع محاولاتي في إخراج الجني بالفشل ، فقلت للمريض المبتلي ، وقد كان مشلول الساقين : لست أدري لماذا يشل الجني ساقيك ، ولا يريد الخروج(!) ؛ فقل لي : هل لأحد عليك مظلمة ، لعلك ضربت أحداً فدعا عليك ، لعلك تعرف السبب الذي شلَّ ساقيك(؟).
فباغتني المريض بقوله : صحيح ، وقعت لي حادثة بالسيارة ، اقتحم عليَّ أحدهم بسيارته ، وصدم سيارتي فنزلت وركلته برجلي من شدة الغضب ؛ فكسرت ساقه ، وجاءت الشرطة ، وفتحوا محضر تحقيق ، وسألوه : ماذا تريد أن نفعل به(؟) ، فقال الرجل ـ وهو يرفع أصبعه إلى السماء ـ أتركه لله(!).
المانع العاشر : أن المريض لا يريد العافية ، وإن كان ظاهره أنه يعالج بالرقية الشرعية ، ويأخذ بأسباب التداوي(!).
ويعلل بعض المرضى هذه النية التي يبطنها ولا يبديها ؛ بأن المرض يقربه إلى الله ، وأنه إذا تعافى يبتعد عن الله ويعصي ويذنب.
المانع الحادي عشر : مشيئة الله النافذة الغالبة ، فقد استنفذت الوسائل ، وأخذ بالأسباب ، وكلها صحيحة مشروعة ، والمريض على خير ودين ، ومع ذلك لم ينزل الشفاء مع وجود الدواء ؛ فهذه مشيئة الله ، وإرادته ، وهذا حكمه لا معقب له ، فالله غالب على أمر المريض.
ـــــــــــــــــــــــ
( 1 )( ملاحظة ) :ربط الجني ربطان :ربط بنان ، وربط لسان.
فأما ربط البنان فيعمد الساحر إلى ربط الجني ببدن المريض منعاً له من الخروج إذا كُشف أمره ، فتلد المصيبة مصيبة أخرى ؛ فتعظم فتصير مصيبتين ، مصيبة المس بالجني ، ومصيبة عدم القدرة على دفعه ، وإخراجه.
وأما ربط اللسان ؛ فيقوم الساحر بربط لسان الجني منعاً له من الكلام حال الرقية ، وعند اكتشاف أمره ، فلا يخبر ولا يدل على مكان السحر.